-->

Header Ads

العلاقة السليمة والصحية مع الذات




بالطبع لا يجب أن تعتبر أن (التفرد) هو كل ما يمكن أن يقال عن سمات النضج النفسي فهناك أيضاً عدة عوامل لعل من أهمها:

العلاقة السليمة

و

الصحية مع الذات

من أهم سمات النضج النفسي هي العلاقة السليمة والصحية مع الذات وهي كذلك المعيار الأساسي الأول الذي به نستطيع أن نعرف ونقيس مقدار نضجنا النفسي، فسمات وخواص النضج النفسي لا بد وأن تقف على قاعدة أولية داخلية أي بداخل الإنسان نفسه، ألا وهي وجود علاقة صحية وسليمة مع الذات أي بين الإنسان وذاته.

ماذا نعني بوجود علاقة صحية وسليمة بين الإنسان ونفسه؟

نعني بذلك الآتي:

أن يكون لإنسان في تلامس مع نفسه في أغلب الوقت، أي يكون في وعي وإدراك وفهم لثلاثة أمور ولا تستطيع أن تقول أ، الإنسان يستطيع في كل الوقت أن يكون في تلامس مع نفسه بكل ما بداخلها لأن هذا من الصعوبة البالغة، لكن عندما يكون في أغلب الوقت في تلامس مع هذه النفس بالمعاني الثلاثة الآتية فهذا دليل على الصحة النفسية.

1. أن يكون لديه وعي وإدراك بماذا يريد حقيقة، وبحقيقة دوافعه الداخلية في الحياة، فالإنسان لا يكون دائماً على وعي بحقيقة ما يريد وما يدفعه ويحركه في الحياة، الإنسان يعلم أنه يريد أشياء في حياته، لكن هل ما يعرف أنه يريده ويسعى إليه هو ما يريده حقيقة أو وراء ذلك توجد أشياء أخرى يريدها في داخله وهو لا يعي بها؟

إن الإنسان يعتقد أنه على فهم كامل وحقيقي لنفسه ووعي بما يريد، ولكن في حقيقة الأمر هو مخدوع لأنه توجد دوافع داخلية غير مرئية له وغير متلامس معها في عقله الباطني والذي لا يدري عن الكثير.

3. أن يكون لديه وعي وإدراك لما يحدث ويعتمل بداخله من تفاعلات ومشاعر نتيجة لدوافعه تلك الداخلية، فهذه التفاعلات الداخلية حتماً سوف تؤثر على تصرفاته وتناوله للحياة الخارجية، فمن النضج انه يعي الإنسان تلك التفاعلات والمشاعر عندما تحدث بشكلها الصحيح سواء سلبية أو إيجابية.

هذه الإدراكات الثلاث من شأنها أن تجعل الإنسان مهيئاً لأن يكون في حالة تصالح مع النفس بمعنى أن يكون متطابق مع ذاته ما بداخله مساوٍ لخارجه فهو كما يقال عنه في انسجام وتوافق وسلام داخلي، وهو الهدف المقصود من العلاقة الصحية مع الذات وهذا يلعب دور ضخم وكبير في تقدم الإنسان نحو النضج ونحو اكتسابه للسمات والخواص الأخرى للنضج.

يستطيع الإنسان أن يتخذ القرارات والخطوات الصحيحة في الحياة الخارجية بناءً على هذا التلامس الصحي مع النفس والعكس أيضاً صحيح فالتنافر الداخلي وكونه بداخله أشياء متضاربة مع ما يظن أنه عليه وهو غير مدرك لها أو متلامس معها فذلك ينشئ صراعاً وتضاد داخلي قد يصل بالإنسان علاوة على العيش في أكذوبة وخدعة كبيرة لنفسه وأن يحيا في حالة فصام كما لو كان بداخله شخصين، هو يعيش بشيء ولكن داخله شيء آخر وهو لا يرى حقيقة هذا الصراع، وإنما يشعر بمعركة داخلية مهمة فيصبح كل الوقت في توتر وهذا هو معنى عدم المصالحة أو القبول للنفس أو عدم الانسجام أو التوافق أو السلام الداخلي وهي كلها مرادفات لشيء واحد.

وللتقدم بمزيد من الشرح لما نقصد بالتصالح والإلتساق أو السلام الداخلي وقبول النفس، فيما نقصده هنا

إن العلاقة مع النفس لا بد لها أن تحتوي على قدر ما وحد أدنى من الشعور بالكفاية والإحساس بالأمان والرضا وهدوء البال بما يكفي لكي يستطيع الإنسان أن يعيش في سلام مع نفسه دون أن يكون مضطرباً أو معاقاً نفسياً كما هو موضح في الشكل التالي:


فتحت هذا الحد أو أقل من هذا القدر يعاني الشخص من الاضطراب الداخلي وربما الإعاقة النفسية ولا نستطيع أن نقول أنه يتمتع بنضج نفسي.

لكن ماذا نقصد بهذه الكلمات الثلاث- الكفاية- الأمان- الرضا- وما هو هذا الحد الأدنى أو خط الصفر الذي يفصل بين النضج وعدمه والذي لا يجب أن تقل عنه هذه المعاني بداخل الإنسان لكي يكون في علاقة صحية مع نفسه وفي مصالحه واتساق داخلي؟ فالنضج التعريفات التالية لشرح هذا الأمر.

نقصد (بالكفاية) (الجدارة/ القيمة):

هو شعور الفرد بملاءمته وكفاءته للحياة الشخصية التي أعطيت له، أي أنه وبمفرده كفواً لهذه الحياة، على قدر هذه الحياة، بما يسمح له بالإحساس بقيمته كإنسان (وهذا هو التجاوز الإيجابي للحد الأدنى أو خط الصفر) دون الشعور بالدونية والنقص والعجز والظلم (الهبوط لما تحت الحد الأدنى) ذلك بالرغم من وجود الضعف والقصور البشري الطبيعي العام في كل إنسان (أما الأمان): فهو إحساس الفرد بالقدر الكافي من الطمأنينة التي تمكنه من الثبات والتماسك الداخلي بمفرده على قدميه نفسياً في الحياة (وهذا هو التجاوز الإيجابي للحد الأدنى أو خط الصفر) دون الهبوط إلى التوتر والقلق المرضي بالرغم من وجود عنصر القلق الأساسي العام في هذه الحياة والذي صار يصبغ الحياة الإنسانية.

وأما (الرضا): فهو قبول الفرد واقتناعه بالحياة الشخصية التي أعطيت له ولا يستطيع تغييرها، وتكيفه معها بدرجة تكفي للشعور بالرضا وهدوء البال وعدم التذمر (وهذا هو التجاوز الإيجابي للحد الأدنى أو خط الصفر). بما لا يتعارض مع وجود الطموح والسعي الدؤوب نحو التغيير في كل ما يستطيع الإنسان تغييره وإلا صار تكيفه هنا خنوع واستكانة يعبر عن إضراب داخلي.

هذه الأمور الثلاث (الجدارة- القيمة) والأمان والرضا تتكون أو تهتز في نفس الإنسان في سنوات طفولته المبكرة وذلك بناءً على مقدار الحب الأساسي الذي يحصل عليه من والديه ونوعية العلاقة معهم، أو بكلمات أخرى هذا يتوقف على امتلاء خزان أو مستودع الحب لدى الطفل كاحتياج أساسي له للخروج للحياة السوية الناضجة في المستقبل كشخص بالغ الأمر الذي يملأ كيان الطفل بإدراك أساسي بأنه شخص ما، محبوب وذو قيمة، أي له هوية إيجابية.

إلا أن معالجة العجز في هذه المعاني الداخلية لدى الإنسان البالغ وغن كانت صعبة فهي ليست بمستحيلة وإنما تتطلب معرفة وفهم وتحليل دقيق من الإنسان لذاته ولتصرفاته في انسحاب داخلي وهدوء لاكتشاف مواطن العجز أو القصور ومن ثم العمل على تطويرها وتحسينها، وهو الأمر الذي ربما لا يجده الإنسان المعاصر في زحام الحياة.

إذن هذه العلاقة الصحية مع الذات التي فيها التلامس والمعرفة والفهم وبالتالي المصالحة والالتساق الداخلي هي القاعدة الأساسية للنضج النفسي بل هي القاعدة الوحيدة والمحور والمركز الذي منه تنطبق سمات ومعايير النضج الأخرى وبالأخص في علاقتي مع العالم الخارجي فالعلاقات الخارجية مع الآخرين ومع الحياة ليست إلا نتيجة وانعكاس لعلاقة الإنسان الداخلية بذاته ومعنى أنه إذ كانت علاقتي بذاتي سوية وصحية فإنه لا بد وأن ينعكس ذلك على علاقاتي الخارجية مع العالم الخارجي فتكون سوية أيضاً والعكس صحيح إن كانت علاقتي بذاتي غير سوية فلا بد أن تكون علاقتي الخارجية كذلك أيضاً وهذه قاعدة لا يمكن تغييرها.

ومثال لذلك نجد الإحساس الداخلي بصغر النفس والدونية والنقص يخرج ويظهر لا شعورياً في علاقات خارجية غير سوية إما تنافسية (في سعي للتفوق على الآخر للرد على الإحساس الداخلي بالنقص) أو علاقات طفيلية اعتمادية استقلالية (بها تعلق بالآخر واستخدام له كعكاز اتكئ عليه لكي أحياء نظراً لعجزي عن الوقوف بنفسي داخلياً) أو ربما علاقات تتسم بالانسحابية والانعزال.

أيضاً نجد الإحساس بالخواء (الفرغ الداخلي) وانعدام القيمة والأمان يظهر في اتجاهات خارجية تملكية استحواذية سواء في العلاقة مع الأشخاص أو مع الأشياء الممتلكات (الرغبة في اقتناء الأشياء) لمحاولة الاعتلاء بهم لتعويض الفراغ والوحدة الداخليين.

لذا نجد علاقات الإنسان يتحكم بها عدم الأمان والإحساس بالتهديد (خوفاً من فقدان الشخص أو الشيء الذي يعتمد عليه للحصول على الأمان أو القيمة)

وهذا الأمر يدفع الإنسان لا شعورياً إلى مزيد من السيطرة وأحكام التملك أو التعلق الزائد بالآخرين ولكنه يعمل أيضاً لا شعورياً على ستر هذه الاتجاهات المريضة خلف أشكال خارجية زائفة لعلاقات مثل الحب والرعاية والاهتمام، وهنا تنمو مشكلة أخرى وهي الزيف والتقنع والاصطناع ونحن نرى مثل هذه الاتجاهات اللاشعورية المستترة في الأمثلة التالية من العلاقات:

الغيرة بين الخطيبين، المطالبة بالخضوع في الزواج، الصداقة الاستحواذية، الصداقة الاعتمادية، الصداقة اللحوحة والمطالبة، السيطرة أو التدخل الزائد وانتهاك الخصوصية في الرعاية والتلمذة أو من الوالدين لأبنائهم أيضاً القيادة الدكتاتورية والمسيطرة، فكل هذه الأمثلة تمثل علاقات ناتجة عن الشعور بالنقص وفقدان القيمة وعدم الأمان.

وأفضل ما يعبر عن هذا قول الدكتور رولوماي في كتبه ((بحث الإنسان عن نفسه))

وثمة أنواع عديدة من الاعتمادية تحدث في مجتمعنا وتتخفى على أنها حب وتمتلئ بالعديد من الأشخاص الفارغين والأشخاص الذين يعانون من الوحدة والقلق وهي تتراوح بين أشكال مختلفة من المعونة المتبادلة أو الإشباع المتبادل للرغبات إلى مختلف الأشكال العملية من علاقات البشر والتي تنتهي عند العلاقات الطفيلية الماسوشيية الصريحة، ويحدث مراراً أن يرتبط شخصان يشعران بالوحدة والفراغ في إطار صفقة غير مكتوبة (مستترة وغير صريحة) كي يبتعد كل منهما عن آلام العزلة))

كما تقول أيضاً كارين هورني المحللة النفسية:

((الكثير من مثل هذه العلاقات يستمر متخفياً في شكل الحب ذلك حين يكون هذا الحب هو فقط التصاق الشخص بالآخر تحت وطأة احتياجه الذاتي للتعلق- لإشباع احتياجاته بحيث يعكس لنا التراجع السريع الذي يظهره هذا الشخص حيث لا تشبع رغباته أنه لا توجد في الحقيقة أي مشاعر محبة أصيلة يمكن اعتمادها)).

أود أن ألفت انتباهك عزيزي إلى أن العلاقة مع الآخر ليس من شأنها معالجة مثل هذه المشاكل الداخلية كما هو معتقد فالإنسان الذي افتقد للحب بشدة في طفولته ويشعر بالنقص حينما يعبر قائلاً بأنه ((إذ وجدت من يحبني فسوف أشعر بأني محبوب، وأن لي قيمة ولا أعود اشعر بالقلة والنقص لا بد أن يعرف أن هذه العبارة مغلوطة، فما فقد في الطفولة من احتياجات أساسية لا يعوض عن طريق علاقات أو وسائل تعويضية خارجية بديلة في الكبر، وإنما العكس هو الصحيح، إن من يشعر بالقيمة والكفاية في ذاته وأنه شخص محبوب في ذاته هو الشخص الذي يستطيع أن يخرج إلى الآخرين علاقة ناضجة ويتمتع بالحب ويبادله، بينما من يعاني الشعور بالنقص نجد علاقاته الخارجية تبرز هذا الشعور وتزيد من تعقيده وذلك لأن الإنسان لا يدرك ولا يعي مستوى الشعور والوعي دوافعه الداخلية المريضة والخفية التي تقع خلف علاقاته الخارجية ومن ثم يدخل هنا الإنسان في علاقات مبنية على توقعات والانتظارات غير صحية وغير سليمة من رغبة في ملئ فراغه الداخلي أو معالجة إحساسه بالنقص عن طريق الآخر وذلك دون أن يدري بحقيقة تلك التوقعات والانتظارات والتي عندما لا تتحقق يزداد إحباطه وألمه الداخلي أكثر من ذي قبل، مما ينعكس بمزيد من السوء وعدم الصحة على علاقته بالآخر، تلك العلاقة التي كان من المفترض في نظره أن تلعب هذا الدور العلاجي أو التعويضي ولكنها لم تفعل فيصير الملام هنا هو الطرف الآخر في العلاقة ذاتها هي ضحية هذه العملية الديناميكية اللاشعورية وأكبر مثال لذلك إنما نراه في علاقات الارتباط والزواج التي تؤول إلى الغش والتعاسة لهذا السبب والتي يصفها الكاتب الأمريكي د. لاري كراب بعلاقة حشرة القراد (القمل) بالعائل الذي تعتمد عليه للحصول على احتياجاتها الأساسية للحياة، حيث يدخل الإنسان العلاقة متوقعاً أن تعالج هذه العلاقة دواخله وتسد له احتياجاته الأساسية المعونة مثل الاحتياج للشعور بالأمان والقيمة وهنا يقول لاري كراون في كتابه عن بناء الزواج:

((إن أكثر الزوجات في العالم قبولاً لزوجها ستفشل في تسديد احتياج زوجها للمعنى والقيمة، كما أن أكثر الأزواج في العالم جدلاً لزوجته لا يمكن أن يسد احتياج زوجته للشعور بالأمان وببساطة أقول أن كل منا لا يكفي الآخر)).

إن ما يقوله كراب هنا هو أن هناك أشياء واحتياجات لا تستطيع حتى أعظم العلاقات الإنسانية أن تمنحها أو أن تسدها فإذا فشل الإنسان في التعامل مع احتياجاته الأساسية غير المسددة فعلاقة مثل الزواج رغم جمالها لا تستطيع أن تمنح الإنسان الاكتمال النفسي إن لم يبنى هذا الاكتمال في داخل الفرد وفي علاقته مع نفسه أولاً، نتيجة الفشل مع التعامل مع احتياجاته النفسية الأساسية الغير مسددة وهذا ما يقوله رولو ماي أيضاً:

((كذلك كثيراً ما تستخدم فكرة الارتباط شخص آخر للزواج المبكر للتغلب على القلق- فمفهوم (أن نكون معاً) يفرغ من محتواه بسرعة ويصير مملاً)).

إذاً هناك أشياء أساسية لا تستطيع العلاقات الإنسانية مهما كانت عظيمة أن تعطيها لنا بل أنه عند توفر هذه الحاجات الأساسية داخل الإنسان يستطيع إذن أن يحصل على علاقات إنسانية جميلة

فهماك مشاكل يظن الكثير أن حلها بالزواج مثل:

1. الشعور بالوحدة.

2. التجربة الجنسية

3. إشباع حالات الإنسان العاطفية العميقة.

4. القضاء على صعوبات الحياة.

فالننظر إلى معظم علاقات الزواج في مجتمعنا لنرى أن هذه العلاقة تزيد هذه المشاكل ولا تحلها فكم منها يزيد صعوبة الحياة للزوجين وكم منها يشعر الطرفيين بمزيد من الوحدة والفراغ العاطفي وكم منها بفشل بسبب فشل التجربة الجنسية.

وهنا استشهد بإحدى صديقاتي (رحمها الله) تقول عن تجربتها

((كنت دائماً أبحث عن الحب عند الناس مما عرضني للأذى في معظم مراحل حياتي وقد كنت دائماً إخزى إذ لا أجد أبداً مشبعاً لدى الناس، كانت لي صداقات كثيرة أحاول من خلالها أن أملئ فراغي الداخلي ولكن لم يحدث أبداً أن أمتلئ الفراغ بل على العكس ازداد جداً بداخلي وازداد انعزالي وتقوقعي داخل نفسي وازدادت أيضاً الهوة بيني وبين ربي لأني اعتبرته مسئولاً عن دمار حياتي وشعرت أنني وحدي في عالم مظلم لا أرى فيه أية معالم)).

يبقى بعد السؤال:

ما الذي يمكن أن يساعدني لتكون لي علاقة سوية وصحيحة مع نفسي، سأجيب من خلال تجربتي المتواضعة في الحياة ومن خلال قراءاتي علني أصيب في الإجابة.

وهنا لا استطيع أن أقدم إلا بعض الخطوط الإرشادية المقترحة للمساعدة في تكوين علاقة صحية مع النفس وأقول خطوط إرشادية المقترحة للمساعدة في تكوين علاقة صحية. وليست وصفة طبية حسبما يميل مجتمعنا المعاصر لإتباع خطوط جاهزة كما يتناول أقراص الدواء ظناً بأنها ستأتي تلقائياً بالمفعول.

أود أن أقدم خطين أساسيين ذلك عن طريق أمرين مكملان بعضهما البعض ولا غنى عن أحدهما ويجب أن يسير الإنسان فيهما معاً بطريقة متوازية ومتساوية دائماً طوال العمر لكي ما يحصل على علاقة سليمة مع ذاته ويصل إلى النضج والاتزان، فهما خطان متلازما تماماً كوجهي عملة واحدة وهما:

1. أن أعرف نفسي.

2. أن أعرف الله.

(أ) أن أعرف نفسي وأفهمها، هذا يتطلب أربعة مهام صعبة وليست تلقائية

أ. الهدوء والتأمل والانفراد لكي أستطيع الخلو على هذه النفس.

يقول د. أنطوني ستور في كتابه (الاعتكاف عودة إلى الذات):

((ولا شك أن ابتعاد المرء عن بيئته التي اعتادها يساعد على تحقيق تفهم المرء لنفسه، وعلى أن يكون على اتصال مباشر بتلك الأعماق الداخلية لوجوده التي تفوته ملاحظتها ف حياة الهرج والمرج التي تطارده كل يوم)).

ب. القراءة المستمرة في كل ما يعينني على فهم ومعرفة النفس البشرية بكل خصائصها وقواعدها وتكوينها وأيضاً ما يتعلق بفهم الحياة عامة أي القراءة في تعاليم الأديان كلها والفلسفة، وعلم النفس والأدب والاجتماع.

ج. التفكير التحليلي والمتعمق في كل أمور حياتي وعلاقتها بالحياة عامة كل يوم حيث أن القراءة تفتح قنوات للتفكير لم تكن موجودة من قبل، وفي هذا أيضاً الفيلسوف بلينر باسكال:

((إن مشاكل الإنسان المعاصر وأمراضه في الحياة تأتي لأنه ليس مستعداً أن يجلس 30 دقيقة مع نفسه ليتفكر في كل توابع تصرفاته وأعماله، ولو فعل ذلك فأنه سوف يجد الحل الصحيح لنصف مشاكله فوراً على أقل تقدير)).

د. طلب المشورة عند الشعور بالاحتياج، أي عندما أجد إما: اضطرابات كثيرة زادة في علاقاتي أو معوقات نفسية استشعرها في داخلي، أو أن أجد مقاييس الإحساس بالقيمة والأمان وهدوء البال منخفضة بشكل ملحوظ في حياتي.

2. أن أعرف الله وأقيم معه علاقة شخصية حميمة متزايدة ومتنامية هذا هو معنى معرفة الله فليس المقصود مجرد علاقة وضعية أو قوالب جاهزة بتعاليم وطقوس تفرضها الأديان وتلزمنا بها، إنما الاقتناع بأن معرفة الله هو عبارة عن نور يغمر ذواتنا وينقي نفوسنا من أدرانها ويطهرها وهذا أيضاً يتطلب أربعة مهام صعبة ومعاكسة لطبيعة الإنسان:

أ- الهدوء والتأمل للخلو إلى الله.

ب- القراءة والدراسة التحليلية والتفسيرية المستمرة لكلمة الله وذلك بقراءة تعاليم جميع الأديان وكيف بدأت وكيف بدأ الإنسان يفكر بضرورة هذه الأديان منذ ظهور الوصايا العشرة.

ج- فحص النفس والتفكير التطبيقي لاتخاذ مواقف شخصية مغايرة في حياتي وفقاً لحصيلة ما اكتسبه من معارف.

د- السعي الدؤوب لطلب الإرشاد من أصحاب الاختصاص المرشدين النفسيين والاجتماعيين.

لا بد أن درك اقترابي من نفسي وتعمقي في معرفتها والتلامس منها يكون محدوداً وفي غاية الصعوبة بدون الوعي، وذلك لأن الاقتراب والتقابل لحقيقي مع نفسي أمر مؤلم وشاق ويدعوا لليأس بسبب طبيعة هذه النفس التعسة والمؤلمة وغير المحتملة بعد السقوط.

وكما قال أحد الفلاسفة ((كلما زاد الوعي زاد اليأس)) وربما هذا ما يجعلنا بالطبيعة هاربين من التطابق من التقابل والتلامس مع نفوسنا واختيار الطريق السهل في حياتنا، لا بد لنا أن ندرك معرفة نفوسنا على حقيقتها ليست بالشيء الشيق والجميل وهذا ما أقصد به الطريق الصعب لكنه الطريق الوحيد وخطوة أولى وحتمية للنضوج النفسي.



المراجع:

1. رولو ماي ((بحث الإنسان عن نفسه))

2. رولو ماي ((إشكالية الإنسان وعلم النفس))


3. أنطوني ستور ((الاعتكاف عودة إلى الذات))






ليست هناك تعليقات